الحــــجاج بن يوسف الثقفـــي
بالرغم من أن الحـجاج إشتهر على مر التاريخ بسفك الدماء، إلا أنه نشأ شابا لبيبا فصيحاً بليغاً حافظاً للقرآن، قال بعض السلف :
كان الحجاج بن يوسف يقرأ القرآن كل ليلة ، وقال أبو عمرو بن العلاء : "ما رأيت أفصح من الحجاج ومن الحسن البصري ، وكان الحسن أفصح منه" .
وقال عقبة بن عمرو : "ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض ، إلا الحجاج بن يوسف وإياس بن معاوية ، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس".
كيف نشأ الحجاج بن يوسف :
هو أبو محمد الحجاج كليب بن يوسف بن الحكم، ينتهي نسبه عند عدنان من ثقيف ، نشأ في ظل عائلة كريمة من عائلات ثقيف، وكان والد الحجاج رجلاً مميزاً؛ إذ كان مطلعاً على العلم وفضائل الآداب.
حتّى أنَّه كرّس حياته لتعليم أبناء الطائف القرآن الكريم، دون تلقي أجر على عمله هذا، ومن هذا المنطلق حفظ الحجاج كتاب الله على يد والده، ثم ولج إلى حلقات أئمة وكبار العلم من الصحابة والتابعين أمثال: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم.
وبعد ذلك انخرط في تعليم الصبيان شأنه في ذلك مثل شأن والده، وقد أثرّت نشأة الحجاج في الطائف على فصاحته، فقد اتصل بقبيلة هذيل التي كانت تُعدُّ أفصح العرب، وبرع في مجال الخطابة.
شخصية الحجاج بن يوسف :
قال بعض السلف: كان الحجاج يقرأ القرآن كل ليلة، كما كان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيراً، ويروى عن إبراهيم بن هشام عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما حسدت أحداً، حسدي الحجاج على حبه القرآن وإعطائه أهله عليه، ولا عجب من حبه للقرآن، فقد كان أبوه معلماً للقرآن بلا مقابل, حتى أنه لما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلاثمائة درهم من كثرة إنفاقه المال على أهل القرآن، وهو الذي أمر بتشكيل القرآن وفق قراءة عثمان.
و بالرغم من ذلك و كما لايخفى علينا أن الحجاج قد إشتهر بسفك الدماء، فلقد كان معروفاً بالظلم وسفك الدماء وانتقاص السلف وتعدي حرمات الله بأدنى شبهة ، وكان فيه سرف وإسراع للباطل ، مع لجاجة في الحقد والحسد ، وقد أطبق أهل العلم بالتاريخ والسير على أنه كان من أشد الناس ظلما ، وأسرعهم للدم الحرام سفكا ، ولم يحفظ حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، ولا وصيته في أهل العلم والفضل والصلاح من أتباع أصحابه ، وكان بغيضا يكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته.
و من هذا التناقض العجيب لا نجد أن نقول في الحجاج إلا كما قال عنه ابن كثير _رحمه الله_ في كتابه البداية والنهاية :
للحجاج حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء.
مواقف و قصص عن الحجاج :
- قصة
الحجاج مع ابن الأغر :
فخرجت والحزن يعتريها فهي تعلم أنّ الحجاج يكره ابنها، والأرجح أنّه سيكتب في الورقتين
يُعدَم، فقال لها ابنها لا تقلقي يا أماه، ودعي الأمر لي، وفعلاً قام الحجاج
بكتابه كلمة ( يُعدَم ) في الورقتين، ولما جاء كلثوم في ساحة القصاص، قال له الحجاج وهو يبتسم بخبث اختر واحده ، فابتسم كلثوم واختار ورقه وقال: اخترت هذه، ثم قام ببلعها دون
أن يقرأها، فاندهش الوالي وقال ماصنعت ياكلثوم: لقد أكلت الورقه دون أن نعلم
ما بها
فقال كلثوم: يا مولاي اخترت ورقه وأكلتها دون أن
أعلم مابها ولكي نعلم مابها، انظر للورقة الأخرى فهي عكسها، فنظر الوالي
للورقة الباقية فكانت( يُعدَم ) فقالوا لقد اختار كلثوم أن لا يعدم.
- قصة الحجاج والأعرابي:
قصة الحجاج وسعيد بن المسيب:
ومن قصص الحجاج أيضًا أنَّه ذات يوم صلَّى بجانب رجلٍ اسمه سعيد بن المسيب ، ولم يكن الحجاج وقتها صاحب سلطة أو منصب، فكان الحجاج يسبق الإمام في الصلاة فيركع قبله ويسجد قبله ، فلمَّا سلَّم من الصلاة أمسك سعيد بن المسيب طرف رداء الحجاج ومنعه من الخروج حتَّى أنهى ذكره بعد الصلاة ثمَّ قال له : "يا سارق، يا خائن، تصلي هذه الصلاة ؟ فوالله لقد هممت أن أضرب بهذا النعل وجهك"، فلم يجب الحجاج بأي كلمة، ثمَّ عاد إلى الشام ورجع واليًا على الحجاز وبينما هو داخل مسجدًا في المدينة رأى سعيد بن المسيب فخشي الناس على سعيد من بطش الحجاج ، فاقترب الحجاج من سعيد وقال له: "أنت صاحب الكلمات؟" فأجاب سعيد بثقة وضرب بيده على صدره: "نعم"، فردَّ عليه الحجاج قائلًا: "فجزاك الله من معلم ومؤدب خيرًا، وما صليت بعدك صلاة إلا وأنا أذكر قولك.
مواعظ الحجاج بن يوسف:
- أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت. فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم فرضيتم به فأجرتم، وإن ذكرتموه في غنى نغصه عليكم فجدتم به فأثبتم. إن المنايا قاطعات الآمال والليالي مدنيات الآجال، وإن المؤمن بين يومين: يوم قد مضى أحصى فيه عمله فختم عليه، ويوم قد بقي لعله لا يصل إليه. إن العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما أسلف وقلة غناء ما خلف. ولعله من باطل جمعه أو من حق منعه.
- أيها الناس، إن الآمال تطوى، والأعمار تفنى، والأبدان تحت التراب تبلى. وإن الليل والنهار يتراكضان كتراكض البريد، يقربان كل بعيد ويبليان كل جديد. وفي ذلك -عباد الله- ما يلهي عن الشهوات ويسلي عن اللذات ويرغب في الباقيات الصالحات.
- إن للشيطان طيفاُ ، و إن للسلطان سيفا.
- إني لأحمل الشر بثقله، وأحذوه بنعله، وأجزيه بمثله.
- من البلية أن يكون الرأي بيد من يملكه دون من يبصره.
وفاة الحجاج :
في ختام ما جاء من قصص الحجاج بن يوسف، أصيب الحجاج في أواخر حياته
بمرض شديد، وبه توفِّي في واسط في العراق سنة 95 للهجرة، وكان عمره خمسة وخمسين
عامًا تقريبًا،
Comments
Post a Comment