أسماء شميس
حكاوي بالعامية
هو يوم ممل من أوله أنا عارفة، نزلت الشغل مستعجلة كالعادة ومتأخرة ومكنتش لاقية مواصلات وطلبت تاكسي مخصوص، ومكنتش أعرف إنهم سفاحين كده!
- يعني إيه عايز ٢٠٠ جنيه هو إنتَ وصلتني دبي! دا هو يا دوب خمس دقايق اللي ركبتهم معاك!
= ولما هما خمس دقايق مروحتيش مشوارك مشي ليه؟
- ملكش فيه، ومش هدفع أكتر من خمسين جنيه ولو مأخدتهاش واللّٰه ما هتطول مني حاجة وهاخد بعضي وأمشي!
= ياست إنتِ حد مصلطك عليَّ، هي أجرة المخصوص كده أنا مالي، مش هتقدري عليها بتطلبي ليه مخصوص من الأول؟
..
لسه جاية أرد لاقيته واقف بمنتهى العنجهية والتكبر اللي في الدنيا وبيطلع محفظة فلوسه طلع الفلوس ودفعها للتاكسي والسواق أخدها ومشي، هو أنا اتكهربت ولا إيه! متخشبة و معرفتش اتكلم!
- إنتَ هيييه استنى عندك !
= على فكرة شكلك وحش خالص وإنتِ بتتخانقي مع السواق كده قدام الشركة وحركة مش لطيفة!
- حركة لطيفة ولا مش لطيفة دي متخصش حد، استنى خد فلوسك أنا محدش يجبي عليَّ
= ولما إنتِ معاكِ مدفعتيش ليه؟ ولا هو بخل وخلاص!
- بخل إيه؟ ده حرامي عايز ياخد ٢٠٠ جنيه في مشوار زي ده!
= إنتِ اللي طلبتيه يبقى تدفعي!
- بقول لحضرتك إيه! مش ناقصة اتفضل خد فلوسك...
= وأخد منك فلوس ليه؟ هو أنا أديتك حاجة؟
- ايوه دفعت لي الاجرة!
= لأ مش ليكِ ده للراجل الغلبان اللي كان هيشد في شعره، ويلا على مكتبك
- هو إيه ده، بتكلمني كده ازاي أصلًا، أنا هنا زيي زيك!
= على مكتبك يا آنسة مش حصة حساب هي يلا!
مشي وسابني كنت عايزة أخد التحفة اللي جنبي أخبطه بيها على رأسه، أكتر إنسان مستفز شوفته في حياتي! ياربي مفاتش على وجوده في الشركة غير شهر بس وكل ما بشوفه بيرفع لي ضغطي،
معرفش واحد قليل الذوق زي ده يبقى اسمه حمزة ازاي؟ وبعدين شكله مستفزني جدًا بحس نفسي عيلة قدامه وكأنه بيتعمد ينرفزني كل ما يشوفني! حتى أول مرة شافني فيها وسمع اسمي تهكم عليه!
اسمك أسرار مرة واحدة يعني مش سر واحد؟ حاجة غريبة فعلًا!
جالنا من فرع الشركة التاني ومسك مكان مستر وائل اللي سافر دبي وشكله مطول معانا، يارب يترفد يارب...
- إيه يا بنتي اصطبحي ع الصبح يا أسرار بتدعي على مين حرام عليكِ قطع العيش حرام
= ولا تتقطع رقبته حتى، إنسان عبارة عن قفا كبير ومستفز جدًا يا ربي
- طالما قفا كبير يبقى مستر حمزة! عمل فيكِ إيه بس؟
= تعالي الأول يا ست خلود نفطر أنا واقعة من الجوع ونزلت الصبح جري
...
- تصدقي إنك مفترية! لأ واللّٰه إنتِ مفترية، يعني الراجل الجنتل يعمل معاكِ حركة جدعنة ويدفع لك الأجرة ويخلص السواق الغلبان من إيدك وكمان بتدعي عليه ومش عاجبك!
= لأ على فكرة بقى أنا مش مفترية، وهو اللي معندهوش ذوق أنا مطلبتش مساعدته، وبعدين يدفع لي الأجرة ليه؟ ولا قريبي ولا يعرفني ولا أعرفه ولا كان راكب معايا أساسًا ولا طلبت منه يعمل كده ده كان واقف يتصنت تقريبًا وفجأة لاقيته جاي يدفع الأجرة هو أنا بشحت منه يعني!
- طب هتعملي إيه؟
= ولا حاجة هياخد فلوسه يعني هياخدها أنا محدش له عليَّ جمايل، بالذات ده.
- هتعملي إيه يعني؟
= معرفش بس هتصرف يعني!
..
تاني يوم نزلت الشغل بدري وأتصرفت، وطلعت مكتبي أشوف شغلي، بعدها بحوالي ساعتين لاقيته داخل لي مكتبي وكأنه ناوي يكسره على دماغي مثلًا!
- إنتِ متخلفة يا بنتي لأ بجد يعني إنتِ متخلفة؟ صارحيني عشان لو كنتِ كده فعلًا نتصرف ونلحق نعالجك بدل ما إنتِ خطر على الكُرة الأرضية كده!
= إنتَ بتكلمني أنا بالاسلوب ده؟
- فيه حد معاكِ في المكتب غيري؟ أيوه بكلمك إنتِ!
= إنتَ إنسان مش محترم اطلع برا
- أنا!! أنا واللّٰه ماسك نفسي بالعافية، إنتِ عشان ترجعي لي الـ ٢٠٠ زفت جنيه تروحي تحشريهم تحت مساحات العربية وتكسريهم بالشكل ده! إنتِ عارفة تمنهم كم يا هبابة إنتِ؟ إزاي أصلًا تلمسي عربيتي مين سمح لك؟
= ما تحترم نفسك بقى أنا مسمحلكش تكلمني بالاسلوب ده وأنا مكسرتش حاجة أنا رفعت حرفها بس وحطيت الفلوس تحتها!
- حرف إيه؟ حرفها دا إنتِ عملتي لها استئصال، عبث أنا بحبكي في عبث واقف بتكلم معاكِ ليه أصلًا! وأدي الـ ٢٠٠ جنيه بتوعك أهو
= إيه ده!
- مصاصة، جبت لك بيهم مصاصة، يارب يكفوكِ دا أنا مشوفتش أعيل من كده في حياتي!
كنت واقفة مذهولة رزع كيس المصاصات على المكتب واتحرك خطوتين ورجع تاني كبش كبشة مصاصة في إيده وخرج، لأ ما دي مبقتش شركة! دي قلبت عباسية فعلًا!
كنت حاسة بإهانة بس كان فيه جوايا حتة كل ما تفتكر شكله وهو بياخد المصاصة ببقى عايزة أضحك عليه، حسيته طفل وشاف حاجة حلوة مقدرش يقاومها، كنت عايزة أعيط، لاقيت مستر حسام طالبنا في اجتماع عنده، حاولت أكون هادية واتنفس ببطئ، ودخلت غرفة الإجتماعات وخلود جات قعدت جنبي...
- هاااا صباحو عملتِ إيه؟ أخد منك الفلوس؟
= آها أخدهم.
- بجد؟
= وجاب لي بيهم مصاصة!
- بتهزرررري
= يخربيت شكلك وطي صوتك، اسكتي دلوقت لما نخلص الإجتماع هحكي لك.
الإجتماع بدأ وكنت مش طايقة نفسي أصلًا ولا مركزة في حاجة، اللي فهمته إن شركتنا ممكن تاخد توكيل إعلانات لشركة عربيات نازلة السوق جديد ولازم نقدم تجارب إعلانية كذا فكرة إعلان للشركة دي عشان يوافقوا يتموا عقدهم لمدة خمس سنين معانا،
وطبعًا كالعادة مستر حسام فضل يكلمنا عن وحدتنا والأجواء الأخوية للشركة وإن كلنا عيلة واحدة ومحدش هنا أحسن من حد، وإن كلنا هنا أصحاب مكان والكلام المعسول اللي مش بيزود بونص ولا نيلة،
وبدأنا العصف الذهني بقى وما أدراك ما العصف الذهني...
- يا جماعة هو أنا بتكلم عبري، أنا كحسام أهو عايزكم تقنعوني بالمنتج بتاعكم، وليكن مثلًا كنت في الصحرا بالعربية دي، اعملوا فكرة عن سفاري مثلًا يلا يا حمزة إنتَ وهالة وعزيز وأسرار وحوش التسويق اشتغلوا معانا يا جماعة فين الكريتيفتي يا شباب؟
= أنا ممكن أقول فكرة يا مستر حسام!
- أيوه يا آنسة أسرار ممكن طبعًا اتفضلي..
= هو ممكن مثلًا يكون راجل وزوجته طالعين رحلة سفاري سوا ونجيبهم قاعدين قدام العربية قاعدة رومانسية ومولعين نار مثلًا وبعدين الجو يكون ساقعة أو حر فيقعدوا في العربية ونظهر للعميل إن العربية فيها مكيف ودفاية وكمان عازل للصوت لما تكون العربية في مكان دوشة ولما تكون فيه حركة سريعة جنبها بابها بيقفل أوتوماتيك، وشكلها من برا بتكون..
- متكربهة
- قولت إيه يا حمزة؟
- أنا!! ولا حاجة
- افتكرتك هتقول فكرة! طب اتكلم لو الفكرة مش عجباك
- سفاري إيه اللي أخد مراتي ونقعد قاعدة رومانسية قدام العربية؟ سفاري يعني صحرا وجبال وحيوانات متوحشة وديابة وتعابين، أنا هقفل العربية وأمدد جواها وأنام أساسًا، قال قاعدة رومانسية قال! واللّٰه لو مراتي ما هستخسرك في ذئاب الجبل
- إيه يا حمزة فيه إيه!
= لو سمحت يا مستر حسام أنا قولت فكرتي ممكن أعرف مطلوب مني إيه عشان أقوم بيه ولو وجودي هنا ملهوش لازمة ممكن أخرج عشان أشوف الشغل اللي معايا عشان أخر ميعاد له النهاردة ويتسلم، لأن ده مبقاش اجتماع ده بقى سوق خضار وأي حد معدي عايز يضحك ويهزر ويعمل نمرة..
- طب خلاص يا إنسة أسرار مفيش مشكلة اتفضلي حضرتك على مكتبك خلصي شغلك وأنا هبقى أبلغك بالمطلوب منك في أخر اليوم
..
خرجت من المكتب وأنا مش شايفة قدامي وكنت متعصبة وعلى أخري وكنت مخلصة شغلي أصلًا بس قولت كده عشان أخرج لأني لو قعدت المرة دي كنت هشوه له وشه بعاهة مستديمة.
ومكنتش فاهمة ليه حاططني في دماغه كده وبيضايقني طول الوقت، أبغض إنسان على قلبي، خرجت أقعد في كافيه الشركة، لاقيت مستر منصور جايب لي لفة هدية وجاي واقف قدامي وبيبتسم لي...
- طبعًا أنا لو شكرت حضرتك من هنا للسنة الجاية مش هوفيكِ حقك واللّٰه ربنا يكرمك، واللّٰه إنتِ انقذتي حياة سلوى مراتي وولادنا وعملتي معجزة، الحقنة مكنتش لاقيها في أي مكان بجد أي كلام مش هيوفيكِ حقك ودي هدية بسيطة مننا أنا وسلوى وأسرار وآسر ولادنا
= اللهم بارك ما شاء اللّٰه سيمتوها على اسمي بجد مش مصدقة يتربوا في عز حضرتك وفي رعاية مامتهم يارب ❤
- اللهم آمين ربنا يفرح قلبك زي ما كنت سبب في فرحة قلبي بسلامة مراتي وولادي، لو سمحتي اتفضلي مترفضيهاش أرجوكِ، لو مكانتش سلوى والدة قيصري وتعبانة كانت جات بنفسها واللّٰه وقدمت لك الهدية وشكرتك ❤
= لا أبدًا دا واجب عليَّ أنا اللي ازورها وأطمن عليها، ولو على الهدية شكرًا بجد جزاكم اللّٰه خيرًا مكنش له لزوم تتعبوا نفسكم
- دي حاجة قليلة جدًا قدام فرحتنا واللّٰه، ياريت لو احتاجتي مني أي حاجة متتردديش، حضرتك زي أختي بالظبط ❤
= شكرًا لذوق حضرتك يا مستر منصور، وياريت توصل سلامي لمدام سلوى وتشكرها على الهدية اللطيفة دي بجد جميلة جدًا
- إن شاء اللّٰه يوصل، هتفرح خالص إنها عجبتك
= طيب بعد إذن حضرتك عشان عندي شغل، وشكرًا جدًا مرة تانية على الهدية الجميلة دي ❤
..
لسه جاية أمشي شوية لاقيته واقف بلامبالة قدامي وحاطط إيده في جيوبه وباصص ناحيتي بنظرة غريبة فيها شماتة أو عتاب مكنتش فاهمة إيه معنى النظرة دي بالظبط عديت من قدامه من غير ما أكلمه وتجاهلته...
- بس الشركة طلعت سوق خضار أهو فعلًا!
= نعم ! إنتَ بتكلمني أنا؟
- آها بكلمك إنتِ، الشركة طلعت سوق خضار أهو وبنعرف نتكلم حلو ونبتسم ونقبل هدايا!
= إنتَ بتتكلم عن إيه؟ إيه الجنان اللي بتقوله ده؟
- بقول اللي شوفته!
لسه جاية أرد عليه لاقيته مشي وسابني اتعفرتت أكتر.. استنى عندك استنى
= تعرف إنتَ عندك حق تظن فيَّ كده فعلًا عشان أنا غلطانة إني حطيت نفسي في موضوع شبهة وخليت واحد زيك يظن فيَّ ظن سئ بالشكل ده،
وعلى فكرة دي مش هدية من مستر منصور، دي هدية من زوجته عشان عملت لهم خدمة لأنها كانت مريضة جدًا قبل ولادتها ومحتاجة حقنة ضروري وأنا سمعته بالصدفة وهو بيتكلم في التليفون وكان بعيط وخايف يفقد مراته وساعدته والحمدللّٰه ربنا قدرني وجعلني سبب في تفريج همهم،
وهما جابوا الهدية دي كشكر ليَّ عشان ساعدتهم وأنا قبلتها عشان عارفة إنها من زوجته لأن ده شال صوف هاند ميد هي اللي عملاه بإيديها وأنا مش بقدر أرفض الهدايا اللي بتتعمل بالإيد لأنها صادقة وحقيقية من ناس عندهم مشاعر صادقة وقلوبهم نضيفة، بس أنا واقفة بشرح لحد زيك كل ده ليه؟
وإنتَ مش هتفهم أصلًا! ولو سمحت دي أخر مرة توجه لي فيها كلام برا الشغل وكلامك معايا يكون بإحترام ده لو هسمح لك تكلمني أصلًا ومفيش بعد إذنك، لأن إذنك من عدمه أو وجودك حتى ميفرقش معايا.
يومها سلمت شغلي كله ومقدرتش اقعد في الشركة لحظة واحدة، أول مرة حد يتعدى حدوده معايا بالشكل ده ويكلمني بالإسلوب ده، واللي قاهرني أكتر إنه كان بيتكلم بثقة كأنه لاقاني معاه في وضع مش محترم، وأنا اللي عيشت عمري كله أحافظ على سُمعتي وسمعة أهلي من أي كلمة ممكن حد جبان يقولها عني، حتى بعد موت بابا كان دائمًا كلمته بترن جوا دماغي.
يا أسرار حتى لو بابا مش شايفك ولا عارف إنتِ بتعملي إيه، فَـ ربنا شايفك متخليش ربنا أهو الناظرين إليكِ.
اللّٰه يرحمك يا بابا كنت محتاجة لك جدًا في اللحظة دي عشان اترمي في حضنك واتشكي لك الظلم اللي طال قلبي، كنت مخنوقة، على قدر سعادتي بالهدية الجميلة دي وحبي لها أول ما شوفتها على قدر احساسي بالقهر والظلم وسوء الظن اللي ظنه فيَّ،
حاولت أتناسى وكأن مفيش حاجة حصلت وأنسى لأنه مهما كان مش مهم بالنسبة لي ولا يهمني أصلًا هو شايفني ازاي، حاولت أهدي نفسي وأشريت علبة حلويات ليَّ أنا وماما وأحمد أخويا ورجعت البيت وقعدت معاهم حاولت بكل الطرق إني أهزر وأضحك معاهم عشان أنسى اللي حصل،
وفعلًا قعدنا نضحك ونهزر سوا، بس مقدرتش أنسى وأول ما دخلت أوضتي وقفلت عليَّ الباب حسيت كأني كنت مستنية اللحظة اللي أبقى فيها لوحدي في العالم بتاعي عشان أبكي، كنت ببكي وبنعي نفسي بكل حاجة وكأن موقف النهاردة ده كان القشة اللي قصمت ظهر البعير،
يااااه يا بابا عمري ما كنت أتخيل إن الدنيا فعلًا صعبة كده للي ملهوش ضهر، وبفتكر كلامك كله، لما كنت تقول لي دائمًا البنت سيرة طيبة البنت زهرة جميلة مش بنهديها لأي حد ولازم تكون هي عارفة إنها زهرة جميلة جدًا مش أي حد يستحق عبيرها وشذاها ولا حد له فضل عليها إذا كان اللي زرعها أو اللي سقاها،
ربنا هو صاحب الفضل الأول والأخير، وحشتني يا بابا اللّٰه يرحمك، كنت بتعلم منك كل حاجة، كلامك كان شفاء لقلبي، قومت توضأت وصليت وقعدت اقرأ في مصحفي، وسجدت وطولت في سجدتي ودعيت وفضفضت بكل حاجة كانت وجعاني، وعيطت لربنا، هو أحن عليَّ من بابا ومن ماما ومن كل أهلي،
يا اللّٰه من زمان أوي مبكيتش بالشكل ده واتكلمت وفضفضت له كتير جدًا، كنت دائمًا أصلي واقرأ قرآن وأخلص وأنا مش حاسة بفرق حقيقي جوا قلبي، لكن المرة دي كنت حاسة بفرق حقيقي، وبرغم إني كنت ناقمة على حمزة ومش طايقة سيرته بس حسيت إني عايزة اشكره لو مكنش عمل كل اللي عمله ده، مكنتش وصلت للحالة دي وحزني كتر وزاد وفاض عن حده وبوحت بيه وشكيت بثي وحزني لربنا وأرتاحت وأنزاح من على كتفي جبال كأني ولا مرة جربت طعم الحزن.
تاني يوم نزلت الشغل وكنت هادية ومصحصحة ومبسوطة، ومعرفش كنت جايبة الطاقة دي منين، واستلمت شغل جديد، كانت ماركة مكياج، دا اللي عرفته في الإجتماع.
= بس أنا مش عايزة اشتغل على الحملة دي يا مستر حسام!
- ليه يا آنسة أسرار، أنا رشحتك مخصوص عشان إنتِ بنت والمكياج ده لعبتكم
= حضرتك عارف الموضوع بيمشي ازاي وإعلانات المكياج والحملة عمومًا بتكون عاملة ازاي عُري وتبرج وإبداء زينة لغير المحارم وأنا مستحيل أشارك في حاجة تغضب ربنا حتى لو هيبقى جزائي أكون مديرة الفرع كله هنا، ده ضد معتقدي
- إنتِ هتغيري سياسة شركة عالمية عشان معتقدك!
= ومعتقدك برضو، هو مش حضرتك مسلم برضو يا مستر حمزة؟ وبما إنك مش جديد في الشغلانة أكيد عارف الموضوع بيمشي ازاي مع الموديلز وإستغلالهم كأنهم سلعة أو وسيلة عشان يسوقوا المنتج بتاعهم مع إن فيه طرق تانية غير كده،
فأنا من حقي أطلب انسحب من الحملة دي أيًّا كانت أسبابي من حقي أنسحب وحضرتك يا مستر حسام بعد إذنك ممكن تكلف أي حد غيري باللي كنت هعمله وأنا متنازلة له عن البونص كامل، ممكن؟
- تمام يا آنسة أسرار من حقك طبعًا، بس بما إنك انسحبتي من حملة أدوات الزينة، هتكملي حملة الإعلانات بتاعة العربية الجديدة مع مستر حمزة..
سكت مكنتش عارفة أقول إيه وأنا أصلًا لسه رافضة أمر شغل دلوقت، لاقيته بيبص ناحيتي ومُترقب وكأنه متأكد إني هرفض اشتغل معاه، سحبت نفس ببطئ وبصيت لمستر حسام معرفتش أرفض المرة دي ولأني كنت محتاجة البونص أكتر من أي مرة تانية، وافقت.
= اللّٰه المستعان يا مستر حسام، مفيش مشكلة.
...
بدأنا نشتغل سوا على إعلانات العربية، كانت أول مرة اشتغل معاه في حاجة مشتركة، شخصيتة برا الشغل حاجة، وفي الشغل اللي بجد حاجة تانية خالص، كان حقيقي إنسان مُبدع وعبقري وتفكيره عظيم، كأنه مريض شيرزوفرينيا، بشخصيتين، على النقيض تمامًا، أخدنا حوالي أسبوع عشان نخلص الشغل على الحملة، كنا بنشتغل في كافية الشركة لأني مكنتش بحب نتجمع في مكتب لوحدنا.
= احنا كده خلصنا الحملة خلاص صح؟
- لا طبعًا دي مجرد البداية!
= مقصدش يا مستر حمزة أنا أقصد خلصنا المرحلة دي من شغلنا مع بعض صح؟
- شغلك معايا تقيل على قلبك صح!
= ولا تقيل ولا خفيف عادي شغل زيه زي أي شغل، خلصنا حضرتك كده خلاص ممكن أروح مكتبي
- ايوه بس ممكن دقيقتين بس من وقتك تسمعيني فيهم!
= خير اتفضل!
- دورت على أي حاجة ممكن تتقال في الموقف ده، ملقيتش غير كلمة أنا أسف بجد بعتذر وصادق جدًا في إعتذاري ممكن تقبليه، وتوافقي اعزمك برا نتغدى سوا كبداية جديدة بعيدًا عن أي حاجة حصلت قبل كده!
= بالنسبة للإعتذار تقبلته، لكن دعوة الغدا مرفوضة طبعًا وأرجو إنها متتكررش تاني
- طب ليه؟
= عشان مش بروح أتغدى مع زمايلي في الشغل، هحاول أعديها إنها بحسن نية منك وإنك متقصدش بحكم إنك متعود وبتخرج مع بنات تتغدا معاهم وده بالنسبة لك شيء عادي، فَ ده بالنسبة لي شيء مش عادي ومرفوض ياريت الطلب ميتكررش تاني بعد إذنك.
وميشت وسيبته، نظرة الفضول اللي كانت في عينه وأنا بتكلم خليتني عايزة أسمع كل اسئلته وأجاوب عليها، بس كانت صدمتي بعدها بكم يوم لما لاقيته واقف يهزر مع زميلتنا في الشغل وسمعته بيقول لها حلو لون الروج ده!
فاكرة وقتها فضلت واقفة دقيقتين وأكتر مش مصدقة اللي سمعته من صدمتي والصدمة الأكتر إني كنت متغاظة من البنت كنت عايزة أجيبها من شعرها، الروج كان فعلًا حلو عليها، والأحلى ابتسامتها اللي كانت من الودن دي للودن دي لما قال لها كده، كانت كتلة أنوثة متحركة، ما هي أشكالكم دي هي اللي بتخلي الأشكال الضالة دي تطمع فينا!
- تطمع في مين؟
= تطمع إيه؟ أنا متكلمتش
- لأ أنا سمعتك على فكرة وشايفك وإنتِ مركزة مع مريم وشوية كمان وحاسس إننا هنسلك شعرها المتقطع من إيدك
= أتمنى
- نعم؟
= أتمنى إن حضرتك تكون خلصت الحملة وتركز في النقاط اللي اتكلمنا عليها اخر مرة بدل ما بتركز في حاجات تافهة وألوان فاقعة
- تقصدي لون الروج! أنا عارف إنك سمعتينا، على فكرة واللّٰهِ لونه حلو فعلًا مقصدش إنه حلو عليها
= إيه ده وأن مالي أصلًا بكل الكلام ده حضرتك! قولت لك قبل كده كلامنا يكون عن الشغل وبس
- لأ مش عايزك تظني فيَّ ظن وحش لون الروج فعلًا كان حلو عشان فكرني بلون الروج اللي كان على تسريحة ماما اللّٰه يرحمها وكانت ليلى أختي على طول بتلعب بيه وتبوظه، هو إنتِ ليه رفضتي تشتغلي على حملة المكياج؟
= هي والدتك متوفية؟
- ايوه، من ١٥ سنة، جاوبي ليه رفضتي تشتغلي على الحملة دي!
= نفس السبب اللي قولته في الإجتماع، بعد إذنك.
والدته متوفية! مش بعرف أكره حد والدته أو والده متوفيين، بالذات لو كان اتيتم من صغره، قلبي بيرق لهم وبحس إني المفروض أعاملهم بحنية مش شفقة لأ، حنية، عشان أنا جربت الحرمان ده زيه، أكرهه أنا أزاي دلوقت؟ دا أنا ناقص أقول له متقوليش يا أسرار قول لي يا ماما!
كنت قاعدة سرحانة لاقيت نفسي جات لي فكرة، اتحركت على مكتب مستر حسام، وخبطت على الباب ودخلت
= هو أنا لو جات لي فكرة لإعلان أدوات الزينة من غير عُري وتبرج ممكن أقولها لحضرتك يا مستر حسام؟
- يا سلام طبعًا قوليها، متأكد إنها هتكون فكرة عبقرية! وهنتفق لك مع أي حد مشهور تطلبيه لو حبيتي
= لأ خالص، مش محتاجين حد مشهور، احنا محتاجين حد عادي جدًا جدًا فوق ما حضرتك تتصور، أنا كنت بنت وأتربيت في المجتمع ده وعيشت فيه، وأنا صغيرة أول مرة حطيت فيها روج كنت خايفة حد من أهلي يكتشف اللي أنا عملته وكأنه جريمة كنت خايفة انضرب عشان حطيت روج، مع إن حب الزينة ده في فطرتنا، كـ نساء وبنات، فأنا جت لي فكرة معرفش هتفيد الحملة ولا لأ
- كلامك غريب وغير مألوف بالنسبة لي بس كملي، عجبني بصراحة
= بص حضرتك، الفكرة إني معنديش مشكلة مع المكياج، بالعكس هو حاجة جميلة لو استخدمناها في محلها
- محلها! وضحي أكتر لو سممحتِ
= فكرة الإعلان هتبقى عبارة عن قصة قصيرة، لبنوتة كانت بتدخل دائمًا من ورا مامتها تلعب بأداوت الزينة بتاعتها وتبوظ لها الروج، فالأم لما بتكتشف ده مش بتضربها ولا حاجة بالعكس،
دي بتقعد معاها وتعلمها تحط مكياج ازاي، بس بتفهمها إن زينة البنت مينفعش يشوفها غير محارمها وبس، والألوان الصارخة اللي البنات بتخرج بيها دي مش بتكون ميزة فيهم بالعكس دي بتطمع الأشخاص السييئين فيهم
- الفكرة فعلًا جميلة ومؤثرة، بس الشركة مستحيل توافق عليها لأنك بتضريهم من ناحية تانية عشان عندهم عملاء بحبوا الألوان الصارخة
= حضرتك هنا احنا في الشرق الأوسط، في دولة عربية إسلامية، يعني لو هتشتغل هنا بالمنتج بتاعك تشتغل حسب سياسة المكان والعملاء، مش سياسة الغرب!
دي في حد ذاتها نقطة هتتحسب للشركة وهتكسب بيها قاعدة جماهيرية كبيرة للمنتج خصوصًا إنك هتلعب على مشاعر الأمهات وحبهم لبناتهم، وهتلعب على عاطفة كل بنت، وبجانب المنتج بتاعك اللي إنتَ بتقدمه هتقدم كمان خدمة اللي هي توعية بتقول فيها إن المكياج مش دائمًا بيكون علامة على الإسفاف والفحش، وبتساهم مع الأم في تربية طفلتها، وعارفة إنهم كشركة الموضوع ده بالنسبة لهم مش مهم المهم هو الربح، لكن حقيقي الفكرة لو اتنفذت زي ما أنا طرحتها هتبقى هايلة جدًا، إيه رأي حضرتك؟
- أنا لو لي حق في تنفيذ الفكرة واللّٰه كنت طلبت تتعمل من الصبح، بس تمام متقلقيش، أنا عندي اجتماع معاهم بكرة وهعرض عليهم الأفكار اللي وصلت لها مع التيم، وهعرض فكرتك، وإن شاء اللّٰه خير يعني، ينفع تيجي إنتِ تحكيها بما إنها فكرتك، وباسلوبك وطريقتك الفكرة هتوصل أحسن بما إنك بنت
= بس هي مش فكرتي
- نعم! أومال فكرة مين؟
= هي ماكنتش فكرة، هي كانت جملة عابرة سمعتها من حد، والفكرة جات لي من خلال كلامه
- آها اقتبستيها من واحدة صاحبتك يعني؟
= لأ، من مستر حمزة
- نعم؟
= ايوه من مستر حمزة
- يا سبحان اللّٰه، ما علينا تحبي مين يروح الإجتماع يتكلم عن الفكرة، إنتِ ولا هو؟
= احنا الاتنين
- إنتوا الاتنين؟!!!!!!
= ايوه، هو عارف المشاهد كانت عاملة ازاي، وأنا هبلور الفكرة واستخرج الحوار والسيناريو ونقنع بيه ممثل الشركة، هاااا موافق حضرتك؟
- تكلميه إنتِ ولا اكلمه أنا؟
= لا حضرتك كلمه إنتَ ياريت، ولو رفض مفيش مشكلة، أنا كده كده جاية مع حضرتك بكرة الإجتماع، بعد إذنك.
...
كنت حاسة بصداع فظيع، روحت أجيب قهوة وقعدت في كافية الشركة، بعدها بنص ساعة لاقيته واقف قدامي
- ممكن اقعد؟
= لأ
- شكرًا.
= أنا قولت لأ على فكرة، لو كنت سمعت غلط، اتفضل قوم من هنا
- إنتِ تطولي أصلًا أقعد معاكِ
= أطول؟ لأ على فكرة أن كعبي عالي على حضرتك
- اممممممم برافو
= خليك قاعد أنا همشي
- بطلي شغل عيال بقى
= أنا مش بعمل شغل عيال، حضرتك اللي مُتطفل، أنا قاعدة لوحدي ومسمحتلكش تقعد معايا أصلًا
- أنا موافق..
= واتفضل امشـ... موافق على إيه؟
- على فكرتك اللي حسام قالها لي
= هي مش فكرتي أنا أصلًا.
- أومال؟
= اقتبستها من كلامك
- عارف.
= عارف؟!
- آها حسيت وحسام بيحكي لي الفكرة إنها فكرتك إنتِ لأنها كانت شبهك
= يعني إيه شبهك؟
- تفاصيلها حلوة، ورقيقة ودافية، وعقلانية
...
أقصد الفكرة
= الفكرة آها، تمام عن إذنك
- هو إنتِ ليه بتهربي مني؟
= أنا بهرب منك! لأ طبعًا أنا مش عاملة عاملة عشان أهرب من حد
- لأ مقولتش إنك عاملة عاملة، بس بتهربي وكأنك خايفة مني محسساني إني بطفي سجاير في كعب رجلك، بتكرهيني وبتصديني طول الوقت
= أولًا أنا مش بهرب ولا منك ولا من غيرك، ثانيًا بغض النظر عن اسلوب كلامك ده أنا مش بخاف من حد
- وثالثًا؟
= أنا مش بصدك، أنا ليَّ حدود ومسمحش لنفسي إني اتخطاها ولا أسمح لغيري إنه يتعداها، دي كل القصة، وطريقتك اللطيفة اللي بتتكلم بيها بحسن نية دي، بقت قديمة على فكرة، مفيش شاب بيتكلم بحسن نية كده، حتى لو مش قصدك حاجة يستحسن تغيرها وتتكلم دايركت تتكلم بأدب
- أنا مؤدب على فكرة جدًا، أكتر مرة في حياتي كنت فيها مؤدب كانت معاكِ إنتِ، ومحبش تشوفيني وأنا قليل الأدب، اتفضلي كنت عايزة تمشي.
....
كنت حاسة فيه جردل ماية ساقعة مدلوق على دماغي، هو فعلًا كده شايف نفسه مؤدب؟! أومال وهو مش مؤدب كان هيعمل إيه؟! حاسة إن وشي فيه حريقة وشوية كمان وهطلع نار زي التنين، استكفيت بجد، خلصت شغلي ورجعت البيت، وفضلت اتدرب على الكلام اللي هقوله بكرة في الإجتماع، عشان كلامي يكون مترتب ومحسش بتوتر، لاقيتني بفتكر كلامنا سوا وضحكت وأنا بقول يا ترى شكله عامل ازاي وهو قليل الأدب؟ عينيه بتبقى حمرا يعني ولا بيطلع نار من ودانه!
تاني يوم كنا في الإجتماع، بدأنا نتناقش ونعرض الأفكار، والدور جه عليَّ عشان أحكي سيناريو فكرتي، كان مركز معايا جدًا وبيسمع كل تفصيلة بحكيها بدقة شديدة، بعد ما خلصت لاقيته باصص في الأرض ومربع إيديه وسرحان، إيه الأدب ده فعلًا!
مصدقتش نفسي إنهم وافقوا على فكرتي أنا مع تعديل كم تفصيلة بسيطة برغم إني كنت جاية ومتأكدة إنهم هيرفضوها، بس نسيت أهم حاجة إن التوفيق من عند ربنا، وإن اللي كانوا قاعدين معانا في الإجتماع عرب زيّنا وعندهم نخوة وتحفظات حتى لو كانت الشركة غربية وملهاش علاقة بكل المعتقدات والتحفظات بتاعة الشرق الأوسط، بعد ما خلصنا اجتماع ومستر حسام كان واقف بيتكلم مع مسئول الشركة، لاقيته بيبص لي وفضل ساكت برضو، اتغاظت...
= فيه حاجة يا مستر حمزة ؟
- هتبقي أُم عظيمة وحنينة، وأولادك هيحبوكِ جدًا على فكرة
= أنا ؟
- أومال أنا!
= يا صبر
- يا بنتي هو حد قاعد هنا غيرك؟!
= مش بنتك، اسمي آنسة أسرار
- مش سر واحد يعني!
=وبعدين بقى؟
- طب خلاص، أسف
= تقبلته.
- لو اتجوزتي، هتفضلي تشتغلي ولا هتقعدي من الشغل؟
= على حسب يعني هو ممكن.... إيه ده وإنتَ مالك؟
- أصل أنا بفكر أقعدك من الشغل! كفاية عليكِ كده.
= تقعد مين؟ هو إنتَ بقيت المدير وهترفدني!
- لأ هتجوزك.
....
معرفتش أجاوب أقول إيه! مشيت، أخدت بعضي ومشيت، قعدت في البيت يومين مكنتش عارفة إيه اللي حصل ده، ولا فاهمة، يتجوزني ازاي؟ وإيه اللي أنا حسيته ده لما قال لي كده، وكأني فرحت باين؟ وكنت هوافق!
كنت بغسل، لما بتوتر كده بغسل وجمعت هدوم البيت كله ووقفت أغسل، معرفش إيه تعب القلب ده، الناس تتوتر فتخرج تتفسح وتسافر وترفهه عن نفسها، أنا بتوتر بجيب تعب القلب لنفسي وأغسل، الباب كان بيخبط..
- خلصتي يا أسرار، الباب بيخبط
= أيوه يا ماما هفتح أنا، وخلاص خلصت فاضل بوكسرات حمادة بس...إنتَ!
- بوكسرات حمادة؟
= بتعمل إيه هنا؟
- إنتِ مين يابنتي؟ نادي ستك من جوا فين الآنسة أسرار!
أفتكرت إني كنت لابسة خمار ماما الطويل على البيجامة بتاعتي، قفلت الباب في وشه، وجريت أنادي حمادة ..
= أحمد قوم افتح الباب بسرعة يابني شوف مين بيخبط.
****
بعدها بسنة في رحلة سفاري..
- بس حلوة القاعدة الرومانسية اللي في التلج دي
= على فكرة إنتَ مش رومانسي
- لأ أنا رومانسي واللّٰه أنا اللي جبته لنفسي أصلًا، فين ذئاب الجبل بقى
= جايين حالًا اقعد معاهم لوحدك بقى
- افتحي يابنتي العربية هتسيبي جوزك لوحده كده في الجو ده أنا تلجت
= بصراحة يا حمزة يا حبيبي مش هستخسرك في ذئاب الجبل
.
.
Commentaires
Enregistrer un commentaire