أسماء شميس
حكاوي بالعامية
أنا عمري ما فكرت أكرهّ ماما أو أدعِ عليها، بس كل واحد فينا عنده طاقة، بيجي عليه وقت ومش بيقدر يستحمل وأنا استحملت منها كتير، إهانة وتقليل قيمة وتهزيق عمرها ما كان بيفرق معاها نفسيتي أو حتى شكلي قُدام حد، لدرجة إن خطيبي كمان أخد باله، وبقى يسألني هي ماما بتتعامل معاكِ كده ليه؟
افتكر إني في مرة كنت قاعدة أنا وهي وأخواتي كنا بنتكلم على الطبخ فضلت تشكر في طبخ أخواتي وتقول عنهم كلام حلو وأول ما اتكلمت عني وفضلت تهزق فيَّ وتقول :
- أنا مش عارفة خطيبك ده خطبك على إيه! ولا بتعرفي تعملي حاجة في البيت وأكلك ماسخ يعني ولا شطارة ولا حتى شكل ولا منظر، واخدك يعمل بيكِ إيه مش عارفة بلا نيلة..
كلامها وجعني أوي زيادة عن كل مرة خصوصًا إنه كان قُدام أخواتي لاقيت نفسي بقول لها :
- أنا لو فيَّ عيب يبقى أخدته منك.
وقومت وسيبتهم، أنا مكنتش حابة إني ازعلها مني أو أرد عليها، بس أنا مبقاش عندي طاقة وخلاص مبقيتش مستحملة كلمة واحدة من حد، طول عمري بعاني من الموضوع ده مع أمي لدرجة إني شكيت إني ممكن أكون مش بنتها!
حاولت كتير اتكلم معاها كانت كل مرة بتستخف بيَّ أكتر وكلامها اللي بيوجع ده بيزيد وأنا مبقيتش حمل كده..
تاني يوم كان عندنا محاضرة في الكلية والدكتور بعد ما خلص المحاضرة قال لنا :
أنا حابب اتكلم معاكم النهاردة عن حاجة مهمة جدًا، تقريبًا هي مشكلة كبيرة وبنسبة كبيرة ناس كتير جدًا بتتعرض للمشكلة دي!
الموضوع اللي حابب اكلمكم عنه النهاردة هو التنمُر، واللي مش عارف يعني ايه هو التنمُر وأول مرة يسمع المصطلح ده، التنمُر يا شباب هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة تجاه فرد أو مجموعة بتكون أضعف وفي الغالب يعني بتكون جسديًا، لكن ده ميمنعش إنها أحيان كتير بتكون لفظيًا، وفيه أمثلة كتير على كده وغالبًا الشخص المُتنمر ده بيكون شايف نفسه أقوى جسديًا أو أقوى بالسُلطة.
يعني تلاقي مثلًا ولد ضخم شكلًا بيضرب زميله الأصغر منه وبيضايقه من غير سبب ده اسمه تنمُر، أو مثلًا مدير بيضايق الموظفين عنده ويطلب منهم طلبات تعجيزيه والشاطر بقى يرفض ينفذها وساعتها هياخد خصم أو رفد ده اسمه تنمر برضو!
ومثال تاني زي البلطجية اللي بيأذوا الناس بدون وجه حق، التنمُر فعل من أي شخص بيفكر نفسه بيمتلك سلطة أو قوة أكتر من الجميع، وبيمارسه في أي مكان فيه تعامل بشري.
يعني الأماكن العامة مدارس جامعات مواصلات حتى البيوت فيها تنمر بين الأهل وبعضهم، كان فيه حكاية حصلت من كذا سنة في دولة أجنبية كان فيه شاب دائمًا بيتعرض للتنمُر من زمايله في الكلية لدرجة إنه بطل يحضر وانعزل تمامًا عن العالم ومبقاش يخرج من بيته! بعدها بفترة اكتشفوا إنه مات مُنتحر في السكن بتاعه، ولما بحثوا في حاجاته الشخصية لاقوه كاتب في مذكراته كل الالفاظ والشتيمة اللي كانت بتتقال له من زمايله اللي بيتنمروا عليه وكاتب في كل مرة احساسه كان بيبقى عامل ازاي وإنه كان بيتمنى يكون أقوى منهم عشان يقتلهم ولأنه ضعيف مقدرش غير على نفسه وانتحر.
كان فيه بنت تانية كان بيجي لها رسايل مجهولة كلها ألفاظ إساءة لها ووصفها بأبشع الالفاظ وكلام وحش جدًا عنها، البنت دي فضلت فترة طويلة توصل لها الرسايل دي بعدها بفترة هي كمان انتحرت!
ولما اتحقق في الواقعة عشان يعرفوا مين اللي كان بيبعت لها الرسايل دي! اكتشفوا إن البنت هي اللي كانت بتبعت الرسايل دي لنفسها، لكن في الأصل وفي الحقيقة إن هي كانت بتسمع الكلام ده حرفيًا من ناس موجوة على أرض الواقع وهي عشان مقدرتش تمنع عن نفسها الأذى والقهر، اصبحت هي كمان بتأذي نفسها وبتكتب الكلام المسئ ده وتبعته لنفسها فى رسايل مجهولة.
التنمُر يا شباب جريمة إنسانية زيه زي التحرش والاغتصاب، بس للأسف لسه متصنفش في العالم على إنه جريمة ولها عقوبة فعلية، غير في كم ولاية في امريكا بس، أنا بكلمكم النهاردة عن الموضوع ده ليه؟
عشان حاجة مهمة جدًا، التنمُر جريمة خطيرة جدًا وفيه كم لا يستهان به من الناس بيموت بسببه سنويًا يا إما انتحار يا إما مقتول، دا غير الناس اللي عايشين وهما تعبانين نفسيًا بسبب التنمر اللي بيتعرضوا له كل يوم،
فأنا حابب نعمل حملة توعية تنتشر عن الموضوع ده في الأماكن العامة وبما إننا في كلية وبما إننا ناس كبيرة ومُتعلمين فَأنا حابب إننا نكون جزء من الحملة دي ونعرف أكتر عن المشكلة دي ونحاول نساعد الناس اللي حوالينا، وللأسف ممكن يكون موجود معانا أشخاص هنا بيتنمروا على الناس وكمان أكيد موجود معانا ناس هما شخصيًا بيتعرضوا للتنمُر!
الموضوع كبير ومش هيخلص في محاضرة واحدة، لكن حابب أذكر كم نقطة مهمة يقدر من خلالهم أي حد يتغلب على أي نوع تنمُر بيتعرض له:
أول حاجة بمجرد ما يقعد معاك الشخص ده وهتلاقيه هيبدأ يكلمك ويتطاول في الكلام انسحب فورًا !
وده مش جُبن ولكن بتقطع عليه لحظات استمتاعه المميزة اللي بتخليه يحس بالسيطرة فبتخليه يخسر حرب نفسية كان هيخوضها بمنتهى الاستمتاع وهو شايفك بتنهار.
طول الوقت تجنب إنك تكون معاه في مكان واحد أو تتناقش معاه، تجنبه نهائيًا كأنه مش موجود،
تاني حاجة لو اصبحت مضطر تكون معاه طول الوقت وشايف إنه بقى يستفزك بالكلام رد فعلك وقتها هو الضحك، ابتسم على أي حاجة يقولها وكل ما تكون الكلمة مستفزة ليك أضحك بقوة أكبر مجرد ما إنتَ بتضحك على استفزازه ليك ده بيهز ثقته في نفسه وبيحس إنه مش قادر يضايقك.
تالت حاجة مينفعش نهائيًا تقلل من نفسك قدام المتنمُر وتهين نفسك عشان يُسكت، لأن هو ده هدفه من الأساس إنه يخليك تستهين بنفسك لحد متحس إنك نكرة بالعكس لو حاول يوصفك بأي صفة سيئة ابتسم وقول له أنا عارف نفسي كويس مش منتظر حد يقيمني.
وأهم حاجة متحاولش تدخل معاه في مشادة كلامية وتنزل لمستواه لأن ده بيكون أهم أهدافه إنه يستفزك عشان يخرجك عن شعورك وساعتها يستخدم سلطته ضدك،
وكل المساعدات دي مش هتقدر تنفذها غير لما تحس بقيمة نفسها وتثق فيها وتحبها، لازم تكون مُدرك تمامًا إن كل إنسان في الدنيا يستاهل إنه يحب نفسه مهما كان شكله أو عمره أو بيئته أو عيوبه، كل إنسان فينا جواه صفات طيبة وقوة داخلية عظيمة وخير كبير جدًا بس هو يكون مؤمن بنفسه،
وأخيرًا أحب أقول لكم إن الحياة صعبة ومش سهلة أبدًا لكنها جميلة بسبب التحديات اللي بنعيشها ونكسبها، المكسب هو اللي بيخلينا نستحمل ونكمل ونعافر عشان يبقى عندنا شغف نكمل بيه حياتنا، مش كل الناس يستحقوا لقب إنسان فيه ناس عايشين معانا زي المرضى النفسيين بيتغذوا على أوجاع غيرهم، ياريت متسبوش حد يتغذى على أوجاعكم وساعدوا نفسكم وحبوها عشان تقدروا تبدعوا، وافتكروا دائمًا وأبدًا إنكم إنتوا اللي بتساعدوهم عشان يأذوكم بالشكل ده، وقفوا التنمُر والأذى اللفظي والمعنوي وساعدوا نفسكم إنتوا تستحقوا تعيشوا بكرامة..
أنا كده خلصت، حد عنده أي سؤال؟
لما المحاضرة خلصت كنت في منتهى السعادة حسيت إنها هدية من ربنا عشان أفهم ليه كل ده بيحصل معايا، بس كنت حزينة إني بتعرض للتنمُر من أمي!
الموضوع كان صعب بالنسبة لي ومُتعب أكتر مما كنت مُتخيلة، لكني افتكرت كلمة الدكتور "الحياة صعبة ومش سهلة بس جميلة بسبب التحديات اللي بنعيشها ونكسبها، المكاسب هي اللي بتخلينا نستحمل ونكمل ونعافر عشان نقدر نكمل حياتنا بشغف ونعرف نعيش. وإن فيه ناس موجودة عشان تتغذى على أوجاعنا"
قررت إني مش هسمح لحد يتبسط على حساب أذى مشاعري تاني، ومش هسمح لحد يهيني تاني لأني إنسان واستحق أعيش بكرامة.
في نفس اللحظة وأنا خارجة من الكلية وقفت عند المكتبة اصور شوية ورق لاقيت شلة بنات واقفين مع بعض كانوا زمايلي في الدفعة لاقيت بنت فيهم بتقول لي:
هو أنا كل ما أشوف شكلك ألاقيكِ لابسة نفس الطقم ده بجد صعبتي عليَّ..
..
فكرت لمدة ٣ ثواني، مش هسيبها تهيني واسكت مش هسيبها تتنمر عليَّ واتفرج مش هشتمها عشان محققش لها هدفها لما تستفزني، أنا إنسان عندي كرامة، لاقيتني ببتسم لها وبقول لها :
واضح إنك مركزة معايا جدًا ومتبعاني كل يوم عارفة ده معناه إيه في علم النفس؟ العلماء قالوا إن الإنسان مش بيركز أوي ويتابع غير حد من اتنين يا إما شخص بيحبه يا إما شخص حاسس إنه أحسن منه ومش عارف يبقى زيه، وأعتقد من خلال اسلوبك إنك مش بتحبيني لأن اللي بيحب حد بيشوفه حلو مهما كان لبسه أو شكله ومش بيحاول يجرحه أو يهينه بالكلام قدام حد، اعتقد دلوقت أنا عرفت إنتِ مركزة معايا ومتبعاني ليه! طبيعي الحقد والغيرة تعمل فيكِ أكتر من كده يا حرام!
..
وأخدت ورقي ومشيت وسيبتها وهي مذهولة ومش عارفة ترد والبنات اللي كانوا واقفين معاها قعدوا يضحكوا عليها هي!
..
مش هكذب وأقول إنها صعبت عليَّ بالعكس تستاهل لأن هي اللي بدأت، وبصراحة حسيت بثقة أكبر في نفسي.
بعدها بكم يوم كنت مروحة من الكلية وركبت تاكسي، ركبت معايا واحدة ست وقعدت جنبي وزوجها ركب قدام جنب السواق، وكان باقي ليَّ ٣ جنية، فَبقول للسواق باقي ٣ جنية لو سمحت، راحت هي قالت ليّ هما الـ ٣ جنية دول فلوس! دول مبقوش يجيبوا حاجة دلوقت متسبيهم له شكلك بخيلة أوي وضحكت بشكل سمج ومستفز.
حسيت إن دمي اتحرق، حاولت أفكر بسرعة ممكن أقول لها إيه؟!
فكرت أقول لها لا واللَّه أنا مش بخيلة، بس قولت لأ كده هتحس إنها أخدت فرصة وهتكرر نفس التصرف ده مع حد غيري برضو وتحرجه، ثم أنا مش مطالبة ابرر لها حاجة، رحت ابتسمت لها وقولت لها هو حضرتك تعرفيني؟
قالت لأ، قولت لها يبقى مش من حقك تقولي عني بخيلة، أنا بطلب باقي حقي، ياريت متشغليش بالك، السواق عارف إن ليَّ باقي وهو مطلبش رأي حضرتك،
فضلت تبص لي ومعرفتش ترد، وكان مكان بيتي قرب ونزلت من التاكسي وأخدت باقي الفلوس فعلًا، الـ ٣ جنية، وبصراحة كانوا أحلى ٣ جنية مسكتهم في إيدي في حياتي كلها.
أول ما وصلت دخلت البيت لاقيت ماما قاعدة هي وخالتو دخلت سلمت عليهم وروحت واخدة ماما بالحضن وبوستها وقولت لها وحشتيني يا ماما هدخل أغير هدومي وأحضر الأكل حالًا،
لاقيتها بتبص لي باستغراب، وشوية وبدأت وصلة حرق الدم زي كل يوم، وراحت قايلة تحضري إيه بلا نيلة إنتِ بتعرفي تعملي حاجة وخالتو قاعدة تضحك جنبها، رحت باصة لماما وابتسمت لها وقولت لها :
بتحبني يا خالتو، ماما بتموت فيَّ وضحكت بصوت عالي،
ومشيت وسيبتهم ودخلت على المطبخ، لاقيت ماما جاية ورايا..
- حماتك جاية النهاردة بليل هي وخطيبك واللَّه مش عارفة الولد ده خطبك على إيه؟ فاشلة ولا بتعرفي تطبخي ولا بتعرفي تعملي حاجة ولا حتى منظر هو أعمى؟
فضلت اهدي في نفسي كنت هستسلم واتخانق معاها وأسيب لها المطبخ وأمشي، فكرت بسرعة، لاقيت نفسي بضحك وروحت وقفت قدامها وبوستها في خدها وقولت لها:
بقى مش عارفة خطبني ليه يا ماما؟ خطبني عشانك عشان تربيتك، لما عرف إِن أهلي طيبين وعارفين ربنا لما دخل بيتنا وشاف إِن أمي ست محترمة وربت ولادها كويس وعندها دين، وقتها قرر يخطبني، مش النبي عليه الصلاة والسلام قال فأظفر بذات الدين تربت يداك! يعني تزوج اللي عندها دين دي كفاية، روحي يا ماما اقعدي مع خالتو ميصحش تسبيها لوحدها هو أنا برضو اللي هعلمك الأصول! اعملكم شاي ولا عصير؟
ولفيت أكمل اللي كنت بعمله وهي واقفة ساكتة مش عارفة ترد تقول لي إيه!
..
من وقتها وأنا بقيت جاهزة لأي حد ممكن يفكر يتنمر عليَّ ويحسسني إني ضعيفة أو نكرة أو وحشة واتعلمت إن الناس في منهم اللي هيتعامل معاك على إنك فريسة عشان يرضي نقص جواه أو عشان يهينك لمجرد الاستمتاع وبس وهو شايفك بتنهار قدامه وإن كل مرة بتتعرض فيها للإهانة إنتَ كمان بتساهم مع اللي بيهينك بشكل أو بأخر إنه يفضل مستمر في إهانته دي بسبب رد فعلك الغير صحيح.
عن نفسي كل مرة كنت بوقف شخص عند حده كنت بحس بثقة أكبر في نفسي وإني مستاهلش إن اتعرض للإيذاء أو القهر النفسي لمجرد إن فيه ناس مش بتحبني أو شايفين إني استحق الإهانة، لإني إنسان يستحق يعيش بكرامة ومش من حق أي حد مهما كان هو مين إنه يعتدى على إنسانيتي ويسلبني حقي كإنسان قرر يعيش بكرامة.
.
.
.
تعليقات
إرسال تعليق